من طرف مدينة الورود 8/9/2008, 04:33
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
غزوة بدر
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقافلة قريش قد أقبلت من الشام إلى
مكة ، وقد كان يقودها أبا سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون عن الأربعين
. وقد أراد الرسول عليه الصلاة والسلام الهجوم على القافلة والاستيلاء
عليها ردا لما فعله المشركون عندما هاجر المسلمون إلى المدينة ، وقال
لأصحابه : " هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها " .
كان ذلك في الثالث من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة ، وقد بلغ عدد
المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، ومعهم فرسان وسبعون بعيرا . وترك
الرسول عليه الصلاة والسلام عبد الله بن أم مكتوم واليا على المدينة .
لما علم أبو سفيان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أرسل ضمضم بن
عمرو الغفاري إلى أهل مكة يطلب نجدتهم . ولم وصل ضمضم إلى أهل قريش صرخ
فيهم قائلا : " يا معشر قريش ، أموالكم مع أبي سفيان عرض لها محمدا
وأصحابه لا أرى أن تدركوها " . فثار المشركون ثورة عنيفة ، وتجهزوا
بتسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس ، وسبعمائة بعير .
جاءت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة أبي سفيان قد
غيرت اتجاه طريقها ، وأنه سيصلها غدا أو بعد غد . فأرسل أبو سفيان لأهل
مكة بأن الله قد نجى قافلته ، وأنه لا حاجة للمساعدة . ولكن أبا جهل
ثار بغضب وقال : " والله لا نرجع حتى نرد بدرا "
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم : إن الله أنزل
الآية الكريمة التالية : (( و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنهما لكم
و تودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته
و يقطع دابر الكافرين ))
فقام المقداد بن الأسود وقال : " امض يا رسول الله لما أمرك ربك ،
فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (( قالوا يا موسى إنا
لن ندخلها أبداً ما داموا ليها فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون ))
ولكن نقول لك : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون . فأبشر الرسول
عليه الصلاة والسلام خيرا ، ثم قال :
" أشيروا علي أيها الناس ( يريد الأنصار ) . " فقام سعد بن معاذ وقال :
" يا رسول الله ، آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله
، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما
تخلف منا رجل واحد" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أبشروا ، والله
لكأني أنظر إلى مصارع القوم " .
وصل المشركون إلى بدر ونزلوا العدوة القصوى ، أما المسلمون فنزلوا
بالعدوة الدنيا . وقام المسلمون ببناء عريش للرسول صلى الله عليه وسلم
على ربوة ، وأخذ لسانه يلهج بالدعاء قائلا : " اللهم هذه قريش قد أتت
بخيلائها تكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ؟ اللهم إن تهلك هذه
العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض " . وسقط ردائه صلى الله عليه وسلم عن
منكبيه ، فقال له أبو بكر : " يا رسول الله ، إن الله منجز ما وعدك ".
قام المسلمون بردم بئر الماء - بعد أن استولوا عليه وشربوا منه - حتى
لا يتمكن المشركون من الشرب منه . وقبل أن تبدأ المعركة ، تقدم ثلاثة
من صناديد قريش وهم : عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، وولده الوليد
يطلبون من يبارزهم من المسلمين . فتقدم ثلاثة من الأنصار ، فصرخ
الصناديد قائلين : " يا محمد ، أخرج إلينا نظراءنا من قومنا من بني
عمنا" فقدم الرسول عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث ، وحمزة بن عبد
المطلب ، وعلي بن أبي طالب . فبارز حمزة شيبة فقتله ، وبارز علي الوليد
فقتله ، وبارز عبيدة عتبة فجرحا بعضهما ، فهجم حمزة وعلي على عتبة
فقتلاه . واشتدت رحى الحرب ، وحمي الوطيس . ولقد أمد الله المسلمين
بالملائكة تقاتل معهم . قال تعالى : (( بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم
من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ))وهكذا انتهت
المعركة بنصر المسلمين وهزيمة المشركين ، حيث قتل من المشركين سبعون
وأسر منهم سبعون آخرون . أما شهداء المسلمين فكانوا أربعة عشر شهيدا .
ولقد رمى المسلمون جثث المشركين في البئر ، أما الأسرى فقد أخذ الرسول
صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف 4000 درهم عن كل أسير امتثالا لمشورة
أبي بكر ، أما من كان لا يملك الفداء فقد أعطه عشرة من غلمان المسلمين
يعلمهم القراءة والكتابة . وهكذا انتصر المسلمون انتصارا عظيما
بإيمانهم على المشركين الذين كفروا بالله ورسوله .
غزوة أحد
شعرت قريش بمرارة الهزيمة التي لقيتها في حربها مع المسلمين في بدر ،
وأرادت أن تثأر لهزيمتها ، حيث استعدت لملاقاة المسلمين مرة أخرى ليوم
تمحو عنها غبار الهزيمة .
ذهب صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن ربيعة إلى أبي
سفيان يطلبون منه مال القافلة ليتمكنوا من تجهيز الجيش ، ولقد كان ربح
القافلة ما يقارب الخمسين ألف دينار ، فوافق أبو سفيان على قتال
المسلمين ، وراحوا يبعثون المحرضين إلى القبائل لتحريض الرجال .
اجتمع من قريش ثلاثة آلاف مقاتل مستصحبين بنساء يحضن الرجال عند حمي
الوطيس .
وخرج الجيش حتى بلغ مكان ( ذو الحليفة ) قريبا من أحد .
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم المشركين إليهم فاستشار أصحابه
، فقال الشيوخ : نقاتل هنا ، وقال الرجال : نخرج للقائهم . فأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم برأي الرجال . لبس النبي صلى الله عليه وسلم حربته
وخرج يريد لقاء المشركين ، فخرج من المدينة ألف رجل ، انسحب عبد الله
بن أبي المنافق بثلث الجيش قائلا : ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟
عسكر المسلمون عند جبل أحد ، ووضع الرسول عليه الصلاة والسلام خطة
محكمة ، وهي أنه وضع خمسين رجلا على الجبل قادهم عبد الله بن جبير ،
وأمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم التحرك سواء في الفوز أو
الخسارة .
وبدأت المعركة ، وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال الموحشين ،
وكاد جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا أن يعتقه إن هو قتل حمزة . يقول
وحشي :
خرجت أنظر حمزة أتربصه حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه
هدا ، فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه
حتى خرجت من بين رجليه ، وتركته وإياها حتى مات . لقد كان استشهاد حمزة
نكبة عظيمة على المسلمين ، إلا إنهم قاوموا وصمدوا أمام قتال المشركين
. ولقد قاتل مصعب بن عمير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ،
وراح قاتله يجري إلى قومه يخبرهم أنه قتل محمدا. وراحت قريش تجر أذيال
الهزيمة ثانية ، حيث أن اللواء قد سقط على الأرض تطأه الأقدام .
رأى الرماة من فوق الجبل هزيمة المشركين ، وقال بعضهم : ما لنا في
الوقوف حاجة . ونسوا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، فذكرهم
قائدهم بها ، فلم يكترثوا بمقولته ، وسارعوا إلى جمع الغنائم . لاحظ
خالد بن الوليد نزول الرماة ، فانطلق مع بعض المشركين والتفوا حول
الجبل ، وفاجئوا المسلمين من الخلف ، فانبهر المسلمون وهرعوا مسرعين
هاربين . وارتفعت راية المشركين مرة أخرى ، فلما رآها الجيش عاودوا
هجومهم . ولقد رمى أحد المشركين حجرا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فكسرت رباعية الرسول عليه الصلاة والسلام ، كما أنه وقع في حفرة كان
أبو عامر الراهب قد حفرها ثم غطاها بالقش والتراب ، فشج رأس النبي صلى
الله عليه وسلم ، وأخذ يمسح الدم قائلا : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم
وهو يدعوهم إلى ربهم !
نادى الرسول في أصحابه قائلا : هلموا إلي عباد الله .. هلموا إلي عباد
الله . فاجتمع ثلاثون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمع
جيشه ونظمه ، ولحق بالمشركين ليقلب نصرهم هزيمة وفرحهم عزاء . فلما
ابتعدوا أكثر فأكثر .. تركهم وعاد للمدينة .
وهكذا ، أدركنا أن من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يحسبن
نفسه ناج من مصيره إلا إذا شمله الله برحمته التي وسعت كل شيء علما .
غزوة الخندق(الأحزاب)
عقد يهود بني النضير على الانتقام من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الذين أخرجوهم من ديارهم من المدينة ، وجعلوا همهم على أن يجعلوا جبهة
قوية تتصدى أمام الرسول وأصحابه .
انطلق زعماء بني النضير إلى قريش يدعوهم إلى محاربة المسلمين ، فنجحوا
في عقد اتفاق بينهما . ولم يكتف بنو النضير بتلك الاتفاقية ، وإنما
انطلقوا أيضا إلى بني غطفان يرغبوهم في الانضمام إليهم وإلى قريش ،
وأغروهم بثمار السنة من نخيل خيبر إذا تم النصر بنجاح .
وهكذا انطلق جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان بن حرب ، وذلك
في السنة الخامسة من الهجرة من شهر شوال .
لما علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالأمر ، استشار أصحابه
وقادته في الحرب ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق في مشارف
المدينة ، فاستحسن الرسول والصحابة رأيه ، وعملوا به . كما أن يهود بني
قريظة مدوا لهم يد المساعدة من معاول ومكاتل بموجب العهد المكتوب بين
الطرفين .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتفقدون سير العمل ، فوجدوا
صخرة كبيرة كانت عائقا أمام سلمان الفارسي ، حيث كسرت المعاول الحديدية
، فتقدم الرسول الكريم من الصخرة وقال : " باسم الله " فضربها فتصدعت
وبرقت منها برقة مضيئة
فقال : " الله أكبر .. قصور الشام ورب الكعبة " ثم ضرب ضربة أخرى ،
فبرقت ثانية ، فقال : " الله أكبر .. قصور فارس ورب الكعبة " . واستطاع
المسلمون إنهاء حفر الخندق بعد مدة دامت شهرا من البرد وشظف العيش .
بدت طلائع جيوش المشركين مقبلة على المدينة من جهة جبل أحد ، ولكنهم
فوجئوا بوجود الخندق ، حيث أنهم ما كانوا متوقعين هذه المفاجأة .
لم يجد المشركون سبيلا للدخول إلى المدينة ، وبقوا ينتظرون أياما
وليالي يقابلون المسلمين من غير تحرك ، حتى جاء حيي بن أخطب الذي تسلل
إلى بني قريظة ، وأقنعهم بفسخ الاتفاقية بين بني قريظة والمسلمين ،
ولما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر أرسل بعض أصحابه ليتأكد من
صحة ما قيل ، فوجده صحيحا . وهكذا أحيط المسلمون بالمشركين من كل حدب
وصوب ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ييأسوا من روح
الله ، لأنهم كانوا على يقين بأن عين الله ترعاهم .
استطاع عكرمة بن أبي جهل وعدد من المشركين التسلل إلى داخل المدينة ،
إلا أن عليا كان لهم بالمرصاد ، فقُتل من قُتل ، وهرب من هرب ، وكان من
جملة الهاربين عكرمة .
وأخيرا ، جاء نصر الله للمؤمنين . فقد تفككت روابط جيش المشركين ،
وانعدمت الثقة بين أطراف القبائل ، كما أرسل الله ريحا شديدة قلعت
خيامهم ، وجرفت مؤنهم ، وأطفأت نيرانهم ، فدب الهلع في نفوس المشركين ،
وفروا هاربين إلى مكة .
وحين أشرق
الصبح ، لم يجد المسلمون أحدا من جيوش العدو الحاشدة ، فازدادوا إيمانا
، وازداد توكلهم على الله الذي لا ينسى عباده المؤمنين .
وهكذا ، لم تكن غزوة الأحزاب هذه معركة ميدانية وساحة حرب فعلية ، بل
كانت معركة أعصاب وامتحان نفوس واختبار قلوب ، ولذلك أخفق المنافقون
ونجح المؤمنون في هذا الابتلاء . ونزل قول الله تعالى : (( من المؤمنين
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و
ما بدلوا تبديلاً ليجزي الله الصادقين بصدقهم و يعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً و ردّ الله الذين كفروا
بغيظهم لم ينالوا خيراً و كفى الله المؤمنين القتال و كان الله قوياً
عزيزاً و أنزل الله الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم و قذف في
قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون و تأسرون فريقاً ))
غزوة تبوك
بعد فتح مكة ودخول الحجاز كلها في الإسلام ، خشي العرب التابعون للروم
من المسلمين في بلاد الشام من قوة الإسلام . فقرر الروم غزو المسلمين .
وجهزوا جيشاً كبيراً عسكروا جنوب بلاد الشام .
وصلت الأخبار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فدعا إلى تجهيز جيش قوي
يصد غزو الروم .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الظروف التي يمر بها صعبة ،
وأن الأيام أيام قيظٍ وقحط . فبعث الرجال يحثون القبائل على الاشتراك
في الجيش ، وحث الأغنياء على أن يجودوا بمالهم ، فتبرع عثمان بن عفان
بعشرة آلاف دينار وتسعمائة بعيرٍ ، ومائة فرس.كما تبرع أبو بكرٍ
الصديق بكل ماله . وتبرع عبد الرحمن بن عوف بأربعين ألف دينار . وتبرعت
النساء بحليهن وزينتهن من الذهب .
و تحرك جيش المسلمين إلى تبوك في شهر رجب من العام التاسع بقيادة
الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان عددهم ثلاثين ألفاً تقريباً . و أعطى
الرسول صلى الله عليه وسلم اللواء لأبي بكرٍ الصديق . وعسكر النبي صلى
الله عليه وسلم بجيشه في ثنية الوداع . وكان الحر شديداً للغاية ،
وعانى المسلمون من عسرة الماء والزاد ، حتى اضطروا لذبح إبلهم وإخراج
ما في كروشها فيعصرونه ويشربونه . لذلك سميت الغزوة بغزوة العسرة .
وقضى المسلمون في تبوك حوالي عشرين يوماً ، ولكن لم يجدوا هناك أحداً
من الروم الذين رجعوا من حيث أتوا ، حينما علموا بمسير الجيش المسلم
الذي يؤثر الموت على الحياة .
واستشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزة تبوك إلى ما هو
أبعد منها من ديار الشام . فأشار عليه الفاروق عمر بالعودة إلى المدينة
. فاستحسن الرسول صلى عليه وسلم رأيه وعادوا إلى المدينة حامدين شاكرين